2/13/2010

الجمهور عاوز كده!!

كنت اقضى بضعة شهور في قسم التخطيط الاستراتيجي في بي بي سي عندما لاحت بوادر الحرب على العراق عام 2003. قررت العودة للقسم العربي وشاركت في تقديم الساعات الاخبارية التي تزايد عددها

على مدار الساعة لتغطية الانباء المتواترة من المنطقة. وقبل الحرب بأسابيع جلست مع رئيس القسم وقتها وطرحت عليه فكرة اتاحة الفرصة للجمهور للمشاركة على الهواء مباشرة بآرائهم وأفكارهم عن الحرب.

على مدى ساعة انغمست وتفاعلت مع اصوات واحاسيس المستمعين من كل ارجاء العالم العربي وفي باقي انحاء العالم. استمتعت بالتجربة ايما استمتاع وعندما خرجت من الاستديو وكان اليوم اربعاء قلت

لرئيس القسم: لو كنت تشاركني الاعتقاد بأن هذه الساعة كانت ناجحة، فربما تتفق معي في بث ساعة مماثلة يوم الجمعة. سكت للحظات ثم قال: لا اتفق معك ولن نقدم ساعة يوم الجمعة. ثم ابتسم وقال: جهز نفسك لتقديم ساعتين متفرقتين كل يوم بدءا من الغد. اجراس الهواتف كلها لم تنقطع عن الدق واستمر الوضع على هذا المنوال لفترة طويلة بعد برنامجك.

كانت هذه لحظة ميلاد برنامج نقطة حوار التي تلت بدأ مبادرات التفاعلية على موقع بي بي سي ارابك دوت كوم بسنوات. وبقد استمتاعي بالحوار على صفحات شارك برأيك، كان للتفاعل الحي وغير المتوقع على الهواء مباشرة اثر مختلف. وعلى مدى سنوات اشتركت مع عدد من الزملاء في تطوير المفهوم عن طريق تجارب تفاعلية للبث متعدد الوسائط، ربما كان اولها تجربة مع تليفزيون الكويت في العام 2000، وتلتها تجرب اخرى متعددة كان ابرزها بالتعاون مع تليفزيون ابوظبي من خلال منتدى البث الاعلامي بدءا من العام 2004. وقد تبلورت هذه التجربة في شكل نقطة حوار كبرنامج متعدد الوسائط وهو البرنامج الذي سلمته بعدي لعدد من الزملاء الذين لمعوا فيه واضافوا له في صيغته الإذاعية وكذا في شكله التليفزيوني متعدد الوسائط، منهم على سبيل المثال لا الحصر اللامعون: نوران سلام، ونور زورقي، وسمير فرح، وليليان داوود.

التطور في تقنيات التواصل الجماهيري الذي بدأ الناس يدركونه بشكل اكثر وضوحا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، كسر احتكارنا كإعلاميين لادوات التواصل. المال كان الحاجز الهائل الذي وقف امام الملايين الذي نخاطبهم من جانب واحد على مدى عقود طويلة. لم يكن لأحد ان يرد علينا او يخاطب الاخرين ما لم يكن لديه من الاموال ما يساعده على انشاء صحيفة او مجلة، او تاسيس محطة اذاعية او تليفزيونية. اليوم تبدلت الصورة واصبح من السهل على اي شخص بامكانات زهيدة للغاية ان ينشيء مطبوعة الكترونية او اذاعة او حتى قناة بث على على شبكة الانترنت. وليس من الغريب اليوم ان تجد لبعض هذه المحطات التي انشئت بالجهود الذاتية جمهورا واسعا بل واكثر اتساعا من قراء بعض الصحف ومشاهدي بعض القنوات.

التفاعلية من جانب قدمت محتوى جديدا ومتميزا اثرى اعلام اليوم سواء على شبكة الانترنت او على وسائل الاعلام التقليدية. ومن جانب آخر كانت رد فعل من الاعلام التقليدي لاستيعاب جمهور بدا اقل رغبة في ممارسة دور المتلقي او التلميذ واكثر اهتماما بأن يكون شريكا فعليا في عملية انتاج وتوزيع المعلومات او المحتوي.

تعددت محطات الرحلة التي مرت بها علاقة الاعلام بالجمهور في هذا السياق على مدي السنوات العشر الماضية. وما بدأ بالتفاعلية التي انحصرت بشكل اساسي في اراء الجمهور ومناقشاته، تطور ليصبح صحافة المواطن الذي يبث تقاريره فتؤخذ احيانا بعين الاعتبار من قبل وسائل الاعلام التقليدية، ثم ما يعرف بالـ UGC (User Generated Content) وهو ما يشار به في اغلب الاحيان الى مقاطع الفيديو او الصور الثابتة التي يلتقطها مواطنون عاديون ويرسلونها لوسائل الاعلام المختلفة.

وربما تفسر هذه المقدمة الطويلة نوعا ما المبادرة الجديدة التي تتمثل في برنامج 710 جرينتش. والتي تستمد اصولها من هذا المفهوم باعتبارها مبادرة تفاعلية تنقل العلاقة بين الاعلاميين وجمهورهم الى مستوى آخر. ويتحول فيها المشارك الي باحث ومعد ومشارك في عملية الانتاج وليس فقط صاحب رأي او مشارك في نقاش.

وانا مدين بما وصلت اليه حتى الآن لعدد من الأصدقاء الذين عرفت بعضهم خلال رحلة الحياة وعرفت البعض الآخر خلال رحلة البحث على مدى الشهور الماضية عن نقطة البداية لهذا الويكيبرنامج، او البرنامج الذي ينتجه الجمهور بشكل مشابه وقريب للطريقة التي يشاركون بها في عمل الموسوعة العامة "ويكيبيديا". وهم بدون ترتيب محدد الاصدقاء: وائل الدريدي العالم واستاذ علوم الشبكات العصبية، عاصم جلال استشاري تكنولوجيا المعلومات، عصام حمود مدونة، عمرو غربية ، شادي سمير، مصطفى،

المفهوم لا يزال بحاجة للتطوير وهناك كثير من الاسئلة التي يتعين الإجابة عليها أو اختبارها. وربما يكون اولها: ما رأيك؟ هل نحن على بداية الطريق الصحيح؟

ليست هناك تعليقات:

http://www.youtube.com/710GMT